الخسائر المالية – صعود البتكوين
في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، كان الاقتصاد العالمي يبدو قوياً جدا. وكانت الأسواق المالية تأخذ منحا متصاعدا، وكان معظم الناس يشعرون بالرضا عن المال والثروة. ولكن تحت السطح تبلورت مشكلة كبيرة والتي كانت على وشك أن تسبب أزمة مالية هائلة
لم تكن هذه مجرد معضلة مصرفية عادية؛ بل كانت على وشك أن تكون واحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ ثلاثينيات القرن العشرين
بدأت المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية مع سوق الإسكان والعقار. وكان يتم تحفيز الناس على شراء العقارات، فلم يكن اسهل من الحصول على قرض من المصرف
الاحتياطي الفيدرالي، الذي يتحكم ويطبع المال في الولايات المتحدة، جعل أسعار الفائدة منخفضة جدا. وهذا يعني أن الناس يمكن أن يقترضوا المال بسعر رخيص، مما أدى إلى أن الكثير من الأشخاص اشتروا العقارات
لكن كان هناك مصيدة
بدأت المصارف في منح قروض لأشخاص لم يتمكنوا من تسديدها. قروض أكثر تعني شيكات عمولة أكبر للمصرفيين الذين تحولوا الى مندوبي مبيعات للقروض الهزيلة. هذه القروض الخطرة كانت تسمى رهون عقارية
لم تتوقف البنوك هناك. لقد وجدوا ثغرة في النظام والتي سمحت لهم بإغراق الناس بقروض مبالغة دون الدخول في مشاكل. وأخذوا هذه القروض الخطرة ودمجوها في منتجات مالية معقدة تسمى “الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية والتزامات الديون المضمونة” (CDOs). وباعوا هذه للمستثمرين في جميع أنحاء العالم
في البداية، بدت هذه كاستثمارات مربحة لأن أسعار المنازل كانت ترتفع. لكن في الحقيقة كانت قنبلة موقوتة. عندما تحصل على المال مجانا يصبح من السهل جدا تضخيم الأسعار صناعيا. لكن ماذا يحدث عندما لا يكون هناك المزيد من المال المجاني؟
في عام 2006، بدأت الأمور تسير بشكل خاطئ. وتوقفت أسعار المساكن عن الارتفاع، وتوقف الناس عن شراء العقارات التي لا يستطيعون تحمل تكاليفها، وبدأت سوق الإسكان في الانخفاض. وهذا يعني أن الأشخاص الذين أخذوا قروضاً لم يتمكنوا من سدادها، وبدأ كثيرون يفقدون منازلهم
وخسرت المصارف والمستثمرون الذين اشتروا هذه المنتجات الخطرة الكثير من المال. وسرعان ما اختفت التريليونات وتبخرت ثروات الأجيال في أسابيع
وكانت أكبر صدمة عندما أفلس ليهمان براذرز، وهو مصرف ضخم، في أيلول/سبتمبر 2008. كان هذا أمراً كبيراً لأنه أظهر مدى سوء الوضع وما كان يعتبر ذات مرة مصرفا “أكبر من أن يفشل” انهار بين عشية وضحاها. البنوك خفت وتوقفت عن إقراض المال لبعضها البعض وهذا ما جعل المشكلة أكبر مما هي عليه، مما أثر على اقتصاد العالم بأسره
وكان على الحكومات والمصارف المركزية، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، أن تخطو بسرعة نحو “حل” الفوضى التي خلقتها. لقد طبعوا بلايين الدولارات لإنقاذ البنوك المتضخمة وحاولوا إصلاح الفوضى عن طريق تخفيض أسعار الفائدة ووضخ المزيد من المال في النظام. الطريقة الوحيدة للحفاظ على الخداع هو الاستمرار في الخداع
بعد هذه الأزمة، بدأ الناس ينظرون بشكل مختلف الى البنوك والمال. وكان من الواضح أنه لا توجد قواعد واضحة للمصارف لخلق شعور من الثقة من أن هذا النوع من الأزمات لن يحدث مرة أخرى. لقد أصبح الأغنياء أكثر ثراءً بخداع الناس بدون عواقب، فلماذا لا يفعلون ذلك مرة أخرى؟
الشعور العام بأن البنوك كانت فوق القانون أصبح واضحا ومؤكداً. وأظهرت الأزمة أن النظام المالي العالمي كان في الواقع نظاماً مركزياً ومتلاعباً به ومتحيزاً وهشاً. كان لا بد من فعل شيء ما
في منتصف الفوضى المالية، حيث كانت الثقة في البنوك التقليدية عند مستوى منخفض، ولد البيتكوين
ولم تكن مجرد شكل آخر من أشكال العملة؛ بل كانت إعادة تصور جذرية لما يمكن أن يكون عليه المال. شكل جديد من المال الذي كان معزولاً عن سرقة الثروة وكان البيتكوين ابتكاراً رائداً غير مقيد بسيطرة المصارف أو الحكومات ومدعوماً بالطاقة الحسابية. عملة رقمية جديدة مدفوعة بالرياضيات المعقدة والترميز والشفافية
وتعمل شبكة البيتكوين بالكامل من خلال شبكة الإنترنت ويزودها مستعملوها بالوقود. وللمرة الأولى على الإطلاق، فإن كل معاملة تتم بصك مالي تصبح مسجلة على نحو غير مسبوق في قاعدة بيانات عامة تعرف باسم “البلوك شين”، مما يكفل عدم تمكن أي كيان بمفرده من التلاعب بأي حركة. وهذا يتناقض تناقضا صارخا مع النظام المالي التقليدي، حيث يمكن حجب المعاملات والتلاعب بالعملات من قبل الجهات المركزية الجشعة التي لم توفر أي قيمة حقيقية حتى الآن
وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تتواءم فيها الشفافية والسيادة.
برز (البيتكوين) ليس كتكنولوجيا جديدة فحسب، بل كرمز للاستقلال النقدي